أسطورة اسرائيل
لم يحلم بن جوريون وهو يخطط سنة 1950 لإخراج مصر من الصراع بما تحقق اليوم.
لم يحلم بن جوريون أن تتحول مصر إلي متهمة بالشراكة مع إسرائيل.
وهي ليست شراكة معلنة.
إنها شريكة في السر.
لم تصل أحلام الأب الروحي لدولة إسرائيل أن يهجم العرب علي مصر باعتبارها حليفًا لإسرائيل.
المشهد عبثي تمامًا.
مصر تتهم حماس.. وحماس تتهم مصر.. مصر تتهم حزب الله وحزب الله يتهم مصر.. ولا أحد يعرف ماذا يفعل مع إسرائيل.
كأن إسرائيل هي الحقيقة المطلقة.. وضربتها عادية وقوتها مطلقة.
إسرائيل وحدها فوق النقد والهجوم.
وهذا أقصي ما تحلم به إسرائيل. أصبحت بلطجيتها عادية. ومذابحها كأنها مسلسل يومي علي الشاشة. عادت أسطورة إسرائيل التي لا تقهر رغم أنها قهرت مرات عديدة من سيناء وحتي جنوب لبنان.
تعرف إسرائيل قبل غيرها أنها لا يمكن أن تقضي علي حماس بهذه الحرب الهمجية.
وتعرف أنها ورَّثت أجيالاً عربية جديدة عداوتها.
وأن الأجيال التي لم تقرأ أو تسمع عن مذابحها في دير ياسين وبحر البقر تشاهد مذابحها علي الهواء مباشرة.
لماذا إذن ضربت إسرائيل وبهذه البجاحة؟
لماذا قررت توريط نظام مبارك وأعلنت تسيفي ليفني الحرب من علي منصة تحمل شعار الجمهورية في مصر؟
إسرائيل لا تزعجها صورة البلطجي.
ولا صورة الدولة قاتلة الأطفال بالقنابل الفوسفورية والعنقودية.
علي العكس تدرك إسرائيل أنها محمية بالرعب الذي تبثه في الجيران. ويتعلم أطفالها مع أول قطرة لبن.. أن دولة إسرائيل تعني ببساطة: شعبًا ضعيفًا مضطهدًا من كل الدنيا صنع الجيش المرعب في المنطقة.
هذه المعجزة سر بقاء إسرائيل جزيرة للخوف في محيط عربي كان لابد من نزع أظافر التمرد فيه.. كما يفعل هواة تربية الحيوانات في البيوت حينما يريدون إتمام عملية استئصال الروح الشرسة.. وزرع الروح الأليفة الوديعة التي لا تهش ولا تنش.
العرب الآن حيوانات أليفة بلا عقل.. ولا روح.
تختلط هنا الدول بحركات المقاومة.. الميليشيات بالجيوش.. العمالة بالوطنية.. المقاومة بالإرهاب.
لم يفكر أحد في أننا الآن أمام اختصار مرعب هو الذي يربكنا.
فلسطين التي حلم العرب بعودتها تصغر وتختصر من كامل التراب الفلسطيني إلي حدود 1967.. ومن فلسطين "من النهر إلي البحر" إلي الضفة والقطاع.. والآن.. حولت فلسطين إلي غزة.. وغزة إلي حماس.
المشهد عبثي.. تمامًا.
مصر تتحرك حسب الطلب.
كأنها موظف غلبان.. ينفذ القوانين أو " عبد المأمور".. كل الشخصيات التي تتحدث باسم نظام مبارك.. موظفون غلابة.. عبيد المأمور.. من وزير الخارجية الذي ظهر في مؤتمر صحفي وكأنه كما قال صديقي يعلن عن نوع جديد من الشيبسي.
إلي الصحفيين والمذيعين الذين تحدثوا باسم النظام.. حتي إن تامر أمين نسي نفسه وقال من علي شاشة "البيت بيتك".. احذر الذين يريدون أن تكون سيناء وطنًا ثانيًا للفلسطينيين.
من أنت؟
وباسم من تحذر؟
لماذا لا تعرف حدود وظيفتك؟
إنه المشهد العبثي.. الدولة بلا متحدثين محترفين.. ويتحدث باسمها مذيعون يفكرون بحناجرهم.
أين مصر؟
هل هي هذه المظاهرات التي تهتف بالشوارع: افتحوا لنا باب الجهاد؟
أم هي مصر التي يختفي رئيسها.. ويظهر طاقم مساعديه بهذه الركاكة والبرود.
أين موقع مصر في مستقبل المنطقة؟
من أين تستمد مصداقيتها ومشروعية دورها؟
هل لدي مصر تفكير واضح في موقعها؟
هل فكرت مصر في ماذا يعني أن يتهم نظامها السياسي بمشاركة إسرائيل إعلان الحرب علي غزة؟
يكتفي نظام مبارك بظهور بغبغانات تتمتم بكلمات غير مفهومة.. يتصورون أنها الحكمة والعقل.. يتصرفون كأنهم جنود لا يعرفون الحرب التي يحاربون فيها.. ولا يعرفون البلد الذي أصبحت مسخرة الأمم.
وائل عبدالفتاح
الدستور
No comments:
Post a Comment