قريت الخبر ده فى المصرى اليوم النهارده فقلت لازم أسجله علشان مايتنسيش وسط الزحمه كالعاده
بقلم مجدى الجلاد ٢/٤/٢٠٠٧
أنا وأنتم نريد مصر أفضل حالاً.. نريدها شابة قوية تتدفق بالحيوية والنضارة.. نحلم بها ديمقراطية تحمي حريتها بذراعها وصدرها.. نرسم لها صورة شفافة نقية بلا ثقوب أو أدران.. لذا سأروي لكم هذه القصة.. وكلي ثقة بأنها لن تمر مرور الكرام.. ففي البلد الآن شرفاء كثيرون:
كنت منهمكًا في العمل.. الهاتف المحمول يرن كثيرًا بـ«كود» إحدي المحافظات.. قررت الرد علي المكالمة لإحساس لا أعرفه حتي الآن.. الصوت لرجل بدا منذ الوهلة الأولي خائفًا، رغم نبرة الحزن والأسي الواضحة.. لم يقل لي الكثير.. فقط نطق بها بصعوبة: «أريد مقابلتك.. فأنا لا أنام.. لا أتحمل.. ولا أطيق الصمت».. سألته: «من أنت؟!».. أجاب: ستعرف حين تراني..!
في مكتبي.. كانت ملامحه مصرية برائحة التراب ولون الأرض والشمس.. خمسيني العمر.. شديد الإحساس بالمسؤولية وقضايا بلده.. تركته يروي ما حدث، بعد أن منحته وعدًا وعهدًا بألا أفصح عن شخصيته إلا لجهة واحدة بناء علي طلبه «لجنة تقصي الحقائق حول الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بنادي القضاة».. لم أسأله لماذا القضاة.. ربما لأننا ـ أنا وهو وأنتم ـ مؤمنون بأن ثوب القضاة ـ في معظمه ـ لايزال الأنصع والأكثر نزاهة وعدلاً.
قال بصوت ممزق: (في صباح يوم الاثنين ٢٦ مارس، خرجت متوجها إلي مقر لجنة الاستفتاء رقم «..» بالقرية المحددة، لأتولي مهمة رئاسة اللجنة.. كان كل شئ عاديا.. ولكن جداول الناخبين واستمارات التصويت لم تصل إلا بعد التاسعة صباحًا.. قلت لنفسي إنه التأخير الذي اعتدناه.. مش مشكلة.. أعددت كل شئ، وجلست أنتظر المواطنين للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء.. مرت الدقائق والساعات دون أن يأتي أحد.. الساعة ١٢ ظهرًا والصندوق الزجاجي خال تماماً من «ورقة توحد ربنا».. لم أنزعج لأن مهمتي هي الإشراف علي التصويت، وليس إقناع الناس بضرورة التصويت.
بعد ١٢ ظهرا، بلحظات، دخل اللجنة رئيس الوحدة الحزبية «للحزب الوطني» بالقرية.. سألني عن سير الاستفتاء فأشرت إلي الصندوق الخاوي.. طلب مني التصرف، فاصطنعت عدم الفهم.. وأخبرته باستحالة فتح محضر اللجنة ما لم يأت أحد للإدلاء بصوته، تركني ورحل، ثم عاد ومعه ٣ سيدات حتي نتمكن من فتح المحضر، عرفت أنهن زوجته وزوجة أخيه وشقيقته، وبعد إدلائهن بأصواتهن وصل عدد الاستمارات في الصندوق إلي ٦ استمارات، حيث أدليت أنا وأمين الحزب الوطني والأمين المساعد بأصواتنا أيضا.
قاطعته وسألته: كم يبلغ عدد أصوات اللجنة طبقًا للجداول الانتخابية؟!
وأجاب بهدوء: ١٠٥١ صوتًا.
ثم استكمل: مرت الساعات دون أن يأتي أحد.. ازدادت الضغوط.. وتدخل رئيس وحدة الحزب الوطني بالقرية لإقناعي بتسويد الاستمارات، واتصل بي أمين مساعد الحزب في المركز التابعة له القرية، وطلب مني بصفة شخصية أن «أقفّل الصندوق مثل باقي اللجان»، لكنني رفضت، وقلت له: «لن أسود استمارات بأصوات مواطنين لم يحضروا».. تجاوزت الساعة الثانية ظهرًا ولم يحضر أحد.. ازدادت الضغوط والمحاولات لإقناعي بالتزوير، اتصلوا بي مجددًا وأخبروني بأن زملائي في اللجان الأخري استجابوا لأوامرهم، وقام كل منهم بتسويد ما بين ٤٠٠ و٦٠٠ صوت.. ولكنني رفضت، فانفتحت علي «أبواب جهنم»، وأصابني الخوف من صعوبة الموقف.
بحلول الساعة السادسة مساءً وصل الأمر إلي حد «الرعب» من عنف الضغوط.. قررت أن «أستوثق» من الحماية الأمنية حولي، كرئيس لجنة، حتي أواصل رفض الضغوط.. لم أجد سوي «صول» لا حول له ولا قوة.. فلم يكن لديه سلاح أو حتي جهاز اتصال.. سألته: «إذا قررت منع دخول أي شخص للجنة سوي من يريدون الإدلاء بأصواتهم فهل تستطيع منع الدخلاء.. وهل تستطيع حمايتي من أي أذي؟!».. فأجاب «الصول»: «سوف أتصل بالمركز».. يعني مش هينفع.. فسألته مرة أخري: هل معك أحد من الأمن هنا؟!
فأجاب: معي شيخ الخفر والعمدة، والكل هنا لا يستطيعون الوقوف أمام رئيس وحدة الحزب الوطني بالقرية.
لحظات من الصمت لم ينطق فيها الرجل بكلمة واحدة.. صوته ازداد حزنًا وأسي، وهو يقول: لم يعد أمامي سوي أمر من اثنين: التمسك بموقفي مما يعرضني لإيذاء بدني أكيد.. أو الاستجابة للضغوط لحماية نفسي وعملي.. خارت قواي وفقدت القدرة علي المقاومة وسط حصار «رهيب».. قمنا بتسويد ١٠٥ استمارات لمواطنين لم يحضروا.. وصل إجمالي الأصوات في الصندوق إلي «١١١» صوتًا.. منهم ٣ أصوات لي ولأمين اللجنة الحزبية والأمين المساعد، و٣ أصوات صحيحة للسيدات اللائي أحضرهن رئيس الوحدة الحزبية، و١٠٥ لم يأت أحد منهم من الأساس.
نعم.. اضطررت لفعل ذلك تحت وطأة الضغوط الشديدة والأوامر التي صدرت لرؤساء اللجان بتسويد البطاقات، بحيث تكون النسبة «المطلوبة» من ٧٠ إلي ٧٦%، وبالنسبة لي فقد قمت بتسويد ١٠٥ بطاقات، منها ٧٩ «نعم»، و٣٢ «لا»، وعلمت أن بعض اللجان لم يأت إليها أحد علي الإطلاق، وطوال فترة الاستفتاء لم نشاهد أي مستشارين أو مراقبين أو قضاة أو رجال أمن، ولم يمر أحد علي اللجان سوي شخص، أخبرنا بأنه المسؤول الإعلامي للحزب الوطني، وسخر منا وقال: «أنتم هنا قضاة، وفي يدكم كل شئ».
كل الزملاء باللجان الفرعية تعرضوا لمواقف وضغوط عنيفة.. حتي إن أحد الزملاء «رئيس لجنة فرعية» جاء إلي اللجنة العامة ومعه صندوق «فاضي تمامًا»، فأوقفه أحد ضباط أمن الدولة أمام اللجنة العامة، وقال له: «لا تترك الصندوق فارغًا.. اذهب وسود بطاقات».. حتي محاضر فرز اللجان تكاد تكون الأرقام بها غير مطابقة للأعداد الموجودة في الصناديق.. فلا أحد يراجع، لدرجة أن بعض اللجان بدأت تسويد البطاقات من الساعة التاسعة صباحا دون انتظار أحد.. فالحزب الوطني كان حاضرًا في كل مكان.. وصرف ٢٠ جنيهًا لكل رئيس لجنة ووجبة غداء).
هذه شهادة رئيس لجنة فرعية أعرف أنه قد يواجه مصيرًا مفزعا.. فرغم محاولاتي لإخفاء اسمه وهويته.. فإن الوصول إليه يبدو ممكنًا، وأنتم تعرفون ذلك أكثر مني.. ولكنه لم يتحمل عذاب الضمير، فقرر الإدلاء بشهادته.. وعز علي أن أكتمها.. ولكن السؤال الآن: من يأخذ لمصر حقها المهدور في صناديق الاستفتاء.. ثم من يحمي هذا الرجل من مصير نعلمه جميعًا؟.
أعرف أن في مصر شرفاء كثيرين.. وأحلم بألا أندم علي هذا المقال حين أري الرجل وحيدًا.
No comments:
Post a Comment