قالت لى نفسى الأمارة بالسوء:
- إيه رأيك فى أكلة بيض بالبسطرمة؟
فاستنكرت الفكرة أول الأمر, لأسباب صحية وجمالية واقتصادية.. ثم بدأت أشعر برائحة نفاذة للأكلة المذكورة تغزو نغاشيشى , فبدأت أفكر فى الأمر
وقبل أن أطلعك على مانتهى إليه تفكيرى أخطرك بأننى لست أكولا أو أكيلا, بدليل أن وزنى لايزيد على 56 كيلو إلا نادرا. وهو الوزن الذى حافظت عليه منذ كان عمرى 15 سنة, أى منذ أكثر من عشرين سنة بقليل, وهذا القليل أترك تقديره لحداقتك.
غير أننى فى بعض الأحيان تصيبنى فجعة مفاجئة وأشعر بأننى يجب أن آكل أى شىء حتى إذا - أو لاسيما إذا - كان أكلة غير محترمة. وقد سألت صديقا لى من الأطباء عن تفسير هذه الظاهرة فقال :
- اعمل تحليل سكر ..
فشكرته ولم أعمل التحليل بالطبع, فماذا أفعل إذا تبين من التحليل أننى مصاب بالسكر فعلا؟ سوف تنقلب حياتى رأسا على عقب, وأعيش حبيسا فى سجن الرجيم القاسى. هذا ممنوع وهذا مسموح به, وهذا دح وذلك كخ, وأرجع والعياذ بالله لأيام تربية الطفولة.
ونترك هذه الفذلكة الطبية الهامشية ونعود لحكاية البيض بالبسطرمة, إذ ذهبت - منقادا وراء الرائحة النفاذة - إلى البقال وقلت له :
- ادينى بيضة ..
فقالت لى نفسى وهى تنخزنى بين أضلاعى :
- اختشى على دمك واطلب واطلب بيضتين !
فذكرتها بأن البيضة بسبعة قروش , فقالت ولو. وإزاء النظرة الساخرة التى ارتسمت فى عين البقال, قلت له متنهدا :
- خليهم بيضتين , وكمان تمن بسطرمة
- هيب عليك , اطلب ربع موش تمن ..
هكذا قالت لى نفسى لا البقال طبعا. ولكننى قلت لها فى حزم :
اتكتمى يابت ! فانكتمت وراحت تلهث فى غيظ بينما يقوم البقال بتحضير المطلوب. فلما انتهى من الأمر أخرجت ورقة بخمسين قرشا وقدّمتها له بالألاطه المناسبة, ووقفت أنتظر منه الباقى .
وهو بدوره وقف صامتا كمن ينتظر شيئا, وعادت النظرة الساخرة إلى عينيه مشوبة بلمسة من الرثاء - لى أو لنفسه لا أدرى - ثم تنحنح وابتسم وقال :
- لسّه عشرة صاغ ..
فسألته : لماذا؟ .. فقال :
- بيضتين بخمستاشر قرش, وتمن بسطرمة بخمسة وأربعين.
فقلت له بالعباطة المناسبة لرجل مثقف مثلى :
- هى البيضة مش بسبعه صاغ؟
- بقت بسبعة ونص يابيه ..
-وتمن البسطرمة بخمسة وأربعين قرش ؟
- آه ..
- لكن أنا كنت زمان باشتريه بخمستاشر قرش .
فاتسعت عيناه من الدهشة ثم اهتز صدره بهمهمة مكتومة وقال :
- روح يابيه اشتريه زمان !
فدفعت له المطلوب وخرجت وأنا أسمع همهمة مشابهة من نفسى الأمارة بالسوء.
- إنتى كنتى عارفة إن تمن البسطرمة بخمسة وأربعين قرش؟
هكذا سألت نفسى , فقالت بكبرياء :
- أعرف منين .. أنا باشم على ضهر إيدى ؟
فتنهدت وحوقلت واستغفرت, ثم حمدت الله الذى أوجد فى جيبى -بالمصادفة- ستين قرشا أشترى بها البيض بالبسطرمة ..
ألاقى معاك جنيه سلف لأول الشهر ؟
نقلا عن كتاب ضحكات صارخة. طبعة صادرة عن كتاب اليوم فى سبتمبر 1980
No comments:
Post a Comment